رئيس مجلس الوزراء الدكتور محمد غازي الجلالي يستعرض أمام مجلس الشعب الحواملَ الفكريةَ والتخطيطيةَ للتوجه الوزاري….
يعاني اقتصادُنا الوطنيُّ اليومَ من مشكلات عديدة، تتمثل بمعدلات نموٍّ اقتصاديٍّ ضعيفةٍ ومتذبذبةٍ بين عام وآخرَ تَشكّلَ بفعل خليطٍ من العوامل الخارجية والداخلية، إضافة إلى ضعف الموارد وخروج جزء هام من مكامن الإنتاج، مع ارتفاعٍ مطَّرد بتكاليفه وأسعار مستلزماته، كلُّ ذلك في ظل خللٍ هيكليٍّ في مقومات وحوامل النمو الاقتصادي والتراجعِ في مساهمة القطاعات الإنتاجية في الناتج المحلي الإجمالي.
وعلى الرغم من الاستقرار النسبي في سعر الصرف خلال الفترة الأخيرة إلا أن معدلاتِ التضخمِ العالمية المرتفعة ساهمت باستمرار ارتفاع الأسعار وتآكلِ القوة الشرائية.
وتعاني أيضاً قطاعاتُ الطاقة والبنى التحتية والخدمات من ارتفاعٍ متزايدٍ في الطلب عليها في ظل نقص الموارد ومحدودية القدرة على تلبيتها وتحسين نوعيتها. ولعل عدمَ توفر الكميات المطلوبة، ولو بالحد الأدنى، من حوامل الطاقة يُعد التحديَ الأهمَّ في وجه الحكومة. ففي ظل عدم توفر هذه الحوامل تبقى كافةُ عناصر الإنتاج الصناعي والزراعي مقيدةً ومعطلةً.
وفي استعرضه الحواملَ الفكريةَ والتخطيطيةَ للتوجه لأن يكون البيانُ الوزاريُّ شفافاً وواقعياً، وأن يكون بيانَ الممكن لا بيانَ المأمول
-ثمة أزمةٌ مركبّةُ وواقعٌ معقَّد أمام الحكومة، وهناك إشكالياتٌ خارجية المنشأ، وإشكالياتٌ داخلية تتعلق بشكل خاص بكيفية إدارة الموارد الوطنية، فالحكومة مسؤولةٌ عن كفاءة معالجة الإشكاليات الداخلية، ومسؤولةٌ عن كفاءة إدارة هذه الموارد وعن تخصيصها وإعادة تخصيصها بما يحقق العائدَ الأمثلَ منها. فإذ لا يمكننا القول بأن الحكومة ستكون قادرة على توفير التغذية الكهربائية بشكل مستمر لكافة القطاعات، بسبب عدم توفر ما يكفي من مدخلات توليد الكهرباء، فإن الحكومة يجب أن تكون مسؤولةً عن أي هدر أو فسادٍ قائمٍ أو محتملٍ في توزيع أي كميات متوفرة من الطاقة الكهربائية.
-ثمة محدوديةٌ واضحةٌ في الموارد المالية للدولة، تترافق مع تنامي عجز الموازنة العامة للدولة إلى مستويات غير مسبوقة، وهي حالة وإن بدت تعكس خللاً في مقاييس المال والاقتصاد، فإنها تبدو طبيعيةً في موازين “المنطق” لبلدٍ لا يزال يعيش حرباً وجوديةً منذ ما يقارب ثلاثةَ عشرَ عاماً، ويعيش في بيئةٍ مضطربةٍ تهدد الاستقرار العالميَّ وليس الإقليميَّ فحسب. في ظل هذا الواقع، لن يكون أمام الحكومة مساحةٌ واسعةٌ لخلق الموارد الإضافية لتمويل مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية على وضعها الراهن. فلن يكون هناك قدرةٌ على مضاعفة الرواتب والأجور أو زيادتِها إلى مستوياتٍ تلبي رغبات المواطنين ورغباتِنا العاطفيةِ والنفسيةِ، فالتمويل بالعجز ليس مصدراً آمناً ومستداماً لتمويل التنمية في مثل حالتنا، ما لم يترافق بنموٍّ ملموسٍ في معدلات الاستثمار والإنتاج، بل إنه سيؤدي إلى نتائجَ عكسيةٍ سنكون حريصين على عدم الانجرار إليها تحت أي ظرفٍ كان. فالحقيقة المرّة أسلمُ من الوهم المريح.
-في ظل الصعوبات المالية العميقة التي تواجهها المالية العامة للدولة، وفي ضوء الانتشار العشوائي للاستثمار العام، الناجحِ في بعض الأماكن والفاشلِ في أماكنَ أخرى، وفي ضوء الصعوبات البالغة التي تواجه تجديد الاستثمار العام، أو إعادةَ تأهيله أو تطويرَه فإن القرار بالانسحاب من الجبهات الفاشلة هو قرارُ استثماريٌّ رابحٌ لن تتردد الحكومة في اتخاذه عند استيفاء متطلباتِ صنعه، وعند ثبوت جدواه من وجهة النظر الوطنية العليا. ولا يفوتني هنا أن أؤكد على أن القول بوجود أبعادٍ اجتماعيةٍ للقطاع العام، لا يبرر إطلاقاً وجود مؤسسات خاسرةٍ بل غارقةٍ في الخسارة، في حين لا يكاد يظهر هذا البعد الاجتماعي، وإن ظهر فهو لا يرقى إلى مستوى تبرير مثل هذا العجز الاقتصادي والتشغيلي والمالي.
-تنظر الحكومة إلى القطاع الخاص على أنه شريكٌ وطنيٌّ في التنمية الاقتصادية، وشريكٌ فاعلٌ وموثوقٌ في تحمل المسؤولية الاجتماعية، وهو بحق ثروةٌ وطنيةٌ لم يتمَّ استثمارُها أو إطلاقُها على النحو الأمثلِ. يجب أن يكون القطاع الخاص حاضراً بقوة في بنية وتركيب الاقتصاد الوطني المعاصر إلى جانب القطاع العام، بل يجب أن يكون في دائرة الضوء قبل القطاع العام في كثير من الجبهات وستوفر الحكومة كامل الدعم الممكن لهذا القطاع الحيوي لأن يأخذ مداه الوطنيَّ الأكثرَ جدوى، الذي لا يقيده سوى أحكامِ الدستورِ الواسعةِ الموقرةِ.
.